إسلام الخنساء، التي عُرِفت بشعرها الرائع وقوتها الجسدية، تعد واحدة من الشخصيات البارزة في التاريخ الإسلامي. وُلدت الخنساء بنت عمرو في الفترة ما بين عامي 580 و590 ميلاديًا. تنتمي إلى قبيلة بني سليم وزوجها الأول كان عبد الله بن عبد العزة السلمي.
كانت الخنساء مشهورة بشعرها وأدبها، ولقد كانت تنشد الشعر في مسابقات الشعر في عكاظ. وقد احتلت مكانةً مرموقة بين الشعراء، واعتبرها الكثيرون واحدة من أشهر شاعرات العرب في عصرها.
قد شهدت الخنساء معركة القادسية وكانت معها أربعة من أبنائها. قبل أن ينطلق أبناؤها إلى المعركة، نصحتهم بشجاعة وصبر. قالت لهم: “إنكم أسلمتم وهاجرتم مختارين… وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين”. وأشارت إلى أن النصر أو الشهادة ستكونان لهما نعمة كبيرة.
وعندما تلقت أخبار استشهاد أبنائها في المعركة، شكرت الله على هذه النعمة ودعته بأن يلتقيها معهم في جنات الخلود. استمرت في قراءة آيات القرآن والصلاة، وبقي عمر بن الخطاب يقدم لها مساعدات مالية حتى وفاتها.
إسلام الخنساء يعكس إيمانًا قويًا وتضحية كبيرة بقضية الإسلام. على الرغم من حزنها لاستشهاد أبنائها، إلا أنها كانت مؤمنة بالله وقادرة على قبول مشيئته. كانت قصة الخنساء ملهمة للمسلمين ومصدر إلهام للشجاعة والصبر في وجه التحديات.
شعر الخنساء في الجاهلية ومع اعتناقها للإسلام يعكس جوانب متعددة من شخصيتها وقوتها الشعرية والروحية. يتجلى ذلك من خلال عدد من قصائدها المأثورة التي أبدعتها خلال حياتها. تعبر هذه الأبيات الشعرية عن مشاعرها وآرائها بشكل عميق ومعبر. على سبيل المثال:
تقول الخنساء في إحدى قصائدها:
“يا عَينِ ما لَكِ لا تَبكين تَسكابا؟ اِذْ رابَ دهرٌ وكانَ الدّهرُ ريَّابا فابْكي أخاكِ لأيْتامٍ وأرْمَلَةٍ وابكي أخاكِ إذا جاورتِ أجنابا وابكي أخاكِ لخيلٍ كالقطا عُصبًا فُقدْنَ لمَّا ثوى سِيبًا وأنهابا يعدُو بهِ سابحٌ نهدٌ مراكلهُ مجلببٌ بسوادِ الَّليلِ جلبابا”
تعبر هذه الأبيات عن حزنها على فقدان أحبائها وأقاربها، وتجسد مشاعرها بشكل مؤثر.
وتقول الخنساء في قصيدة أخرى:
“كُلُّ اِمرِئٍ بِأَثافي الدَهرِ مَرجومُ وَكُلُّ بَيتٍ طَويلِ السَمكِ مَهدومُ لا سوقَةٌ مِنهُمُ يَبقى وَلا مَلِكٌ مِمَّن تَمَلَّكَهُ الأَحرارُ وَالرومُ إِنَّ الحَوادِثَ لا يَبقى لِنائِبِها إِلّا الإِلَهُ وَراسي الأَصلِ مَعلومُ”
تعبر هذه الأبيات عن الزمان الصعب الذي عاشته القبائل والقوى السياسية في ذلك الوقت.
ومن جهة أخرى، تعكس الخنساء في قصائدها الإيمان بالله والاعتزاز بقوة الإيمان والصبر. تجسدت هذه الروح في الآية التالية:
“إنّي أرقتُ فبتُّ الَّليلَ ساهرةً كأنَّما كحلتْ عيني بعوَّارِ أرعى النُّجومَ وما كلّفتُ رعيتها وتارَةً أتَغَشّى فضْلَ أطْمارِي”
تعبيرًا عن القوة الروحية والقدرة على التحمل والصمود في مواجهة التحديات.
وفي ختام الأمور، تعبر الخنساء عن فخرها بأبنائها الذين شاركوا في المعركة واستشهدوا في سبيل الله:
“حلفتُ بربِّ صهبٍ معيلاتٍ إلى البيتِ المحرَّمِ منتهاها”
بهذا، تستمر الخنساء في الإعراب عن إيمانها وتضحيتها في سبيل الدين والمبادئ التي تؤمن بها.